-A +A
نجيب يماني
قال شيخ الأزهر فضيلة الدكتور أحمد الطيب إن تغيير حكم الطلاق الشفهي يحتاج إلى إجماع شرعي جديد وإن الطلاق المستوفي الشروط إذا صدر من الزوج من دون إشهاد أو توثيق لا يقع كأنه لم يكن وهذا لا يجوز (الشرق الأوسط).

جِدالاً لا يزال قائماً بصحة جواز الطلاق الشفهي لضمان حق الزوجة وكبح جماح الزوج المتهور ومواكبة مستجدات الواقع ومتغيراته والحفاظ على الأسرة واستقرارها باعتبارها المكون الأساسي للمجتمع، والعمل على تحسين وضع الأسرة والطفل، فالاستمداد من الشريعة الإسلامية لا يتصادم مع الاستئناس بالتوجهات القانونية والممارسات القضائية الحديثة، ومواكبة مستجدات الواقع.


ولنا في فعل الخليفة عمر قدوة حسنة أساسها تغليب المصلحة، فالأصل في الطلاق أن يكون متفرقاً، مرة بعد مرة لقوله تعالى (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان)، فتكون للزوج فرصة يراجع فيها نفسه، وبعد المرتين يقول تعالى (فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)،

هذا هو الطلاق الشرعي يكون مفرقاً واحدةً بعد واحدة، لكن بعض الأزواج يتعجّلون الفراق النهائي فيجمعون الثلاث في لفظ واحد؟

كما حدث مع ركانة بن عبد يزيد طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد، فحزن عليها حزناً شديداً، فسأله الرسول: كيف طلقتها؟ قال: ثلاثاً. قال في مجلس واحد؟ قال: نعم. قال الرسول: فإنما تملك واحدة، فارجعها إن شِئت. فراجعها، فأوقع الرسول الطلقات الثلاث في مجلس واحد واحدة.

لكن سيدنا عمر أوقع الثلاث المجتمعة ثلاثاً لا واحدة؛ لأن الناس في عهده أكثروا من جمع الثلاث في لفظ واحد استهانة بأمر الطلاق، وكثر منهم إيقاعه جملة واحدة، فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم، لردعهم عن تهورهم واستعجالهم ليعلموا أن أحدهم إذا أوقعه جملة بانت منه امرأته.

فالله شرع الطلاق مرة بعد مرة، فمن جمعه في مرة واحدة فقد تعدّى حدود الله واستعجل في ما جعل الله له الأناة فيه فأوقع سيدنا عمر الثلاث بلفظ واحد ثلاثاً نوعاً من التعزير والعقوبة لمن يخالف عن أمر الله. وقد أكد بعض الفقهاء أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد ليس بطلاق أصلاً لأنه مخالف للقرآن فكيف يُعتبر طلاقاً؟

ولكن للخليفة عمر رأي آخر يعتمد على تغليب المصلحة وإصلاح المجتمع، فالناس في خلافته تتابعوا في هذا الأمر حتى أصبح شائعاً، فخاف أن يزداد بينهم فيهملوا الطلاق الشرعي ويلجأوا إلى جمع الثلاث وهم مطمئنون إلى وقوعها واحدة فأراد أن يعاقبهم، وكان -رضي الله عنه- يعلم أن بعض الرجال في مواقف الغضب والنزاع مع زوجاتهم يستعرضون رجولتهم وينطقون بأغلظ الألفاظ وأفخمها، إظهاراً (للسلطات) التي أعطاها الله لهم، فقد طلّق أحدهم امرأته ألف طلقة، فقال له عمر: أطلّقت امرأتك؟ قال: لا، إنما كنت ألعب. فعلاه عمر بالدرة وقال إنما تكفيك من ذلك ثلاث، فأوقعها عليه ثلاثاً. تحقيقاً للمصلحة العامة التي هي أساس للتغيير والتعديل وحتى الإلغاء إذا رأى ولي الأمر أن فيها مصلحة للأمة الإسلامية.

وعلم الصحابة حسن سياسة عمر وتأديبه لرعيته فوافقوه على ما ألزم به، درءاً لمفسدة تتابع الناس في جمع الثلاث ووافقه جمهور الفقهاء في ما ذهب إليه فمصالح الناس هي الحَكَمُ في ذلك لضمان حقوقهم. ولولي الأمر الحق في إمضاء ما يراه مناسباً.

وما أشبه اليوم بعهد عمر، فقد زاد الطلاق واستهتر الأزواج بهذا العقد المقدس وتلاعبوا به وأشهروه في وجه الزوجة بحق ومن دون حق في غيابها أو حضورها وقد تعلم بطلاقها من ثرثرة الأصدقاء وحكاوي الجيران.

كما طالب ابن القيم في زمنه بإيقاعها واحدة مراعاة لمصلحة أخرى، وقطعاً لذريعة فساد اجتماعي، هو انتشار التحليل حين كان يُفتي بوقوعها ثلاثاً فيلجأ الزوجان إلى المحلّل حتى أصبح للتحليل سوق رائجة.

إن مراعاة المصلحة وهي مسألة اعتبارية تختلف في الزمن الواحد من حالة لأخرى حسب الحاجة.

ما أحوجنا اليوم إلى فتح كل ذريعة لتصعيب الطلاق أمام الرجل حفاظاً على وحدة المجتمع وتماسكه.

إن مكامن الاستنباط في الشريعة متعددة القرآن والسنة والإجماع والقياس والاستحسان الذي يكون حسب المصلحة والاستصحاب والمصالح المرسلة

ولعل اعتبار (الطلاق الشفهي) لا يقع إلا بشاهدين وتوثيقه لتأكيد وقوعه بين الزوجين هي بادرة عدل عندها شرع الله تحُد من رعونة الزوج طلاق زوجته لأي سبب ومن غير سبب وحتى لا تُترك الزوجة معلقة بطلاق غيابي يهجر فيه (سبع البرمبه) البيت والأولاد وربما تزوج بغيرها وهي آخر من يعلم.

من الممكن أن يمضي شيخ الأزهر قانون (إن أردت الانفصال عليك بتوثيق الطلاق) ولا يصعبه من باب المصلحة العامة ويتتبع السياسة العمرية ومقاصدها لإصلاح المجتمع والحفاظ على ترابطه وحفظ حق المرأة وأولادها من ظلم رجل مستهتر.

وقد أجاز ابن القيم بأن الطلاق مما تتغير فيه الفتوى بحسب الأزمنة وأحوال الناس.